بين عبير دهن العود الأصلي ونظيره المقلد عالم كامل من الفارق لا يدركه إلا من عاش التجربة. فكلاهما قد يبدوان متشابهين عند النظرة الأولى، لكن الأصلي يحمل في طياته عُمق التاريخ، وثراء الطبيعة، ودفء الصبر في الاستخلاص، بينما المقلد ليس سوى محاولة سريعة لتقليد بريقٍ لا يُقلَّد.
ولأن سوق العود اليوم يزدحم بعشرات المنتجات المتفاوتة الجودة، أصبح من الضروري أن يعرف عشاق العود علامات التمييز بين الدهن الأصيل والدهن المقلد، حتى لا تنخدع أعينهم ولا تُخدع حواسهم.
فيما يلي دليل شامل يساعدك على اكتشاف الفارق الحقيقي.
1. الأصل الطبيعي مقابل التركيبات الصناعية
دهن العود الأصلي يُستخلص من أشجار العود النادرة بعد سنوات طويلة من تكوّن الراتنج العطري بداخلها، ثم يُقطّر ببطء شديد للحصول على قطرات قليلة وثمينة من الزيت. هذه العملية الطبيعية المعقّدة تمنحه تركيبة غنية ومتعددة الطبقات.
أما الدهن المقلد فيُصنع غالبًا من زيوت عطرية صناعية أو مخاليط عطور زهيدة الثمن تحمل نوتات عود سطحية بلا عمق ولا تطور. قد تبدو رائحته قوية في البداية لكنها مسطّحة وسريعة الزوال.
2. الرائحة المتغيّرة بمرور الوقت
من أهم علامات دهن العود الأصلي أن رائحته تتغير وتتطور تدريجيًا على الجلد. تبدأ حادة ودخانية قليلًا، ثم تهدأ لتكشف عن نوتات خشبية عميقة، ثم تنتهي بنفحات دافئة وهادئة تدوم لساعات طويلة.
في المقابل، يحتفظ الدهن المقلد برائحة واحدة ثابتة من البداية حتى تختفي فجأة، بلا أي مراحل تطور.
3. الثبات والفوحان الحقيقي
الأصلي يتميز بثبات فائق، فيبقى أثره على الجلد والثياب لساعات طويلة بل لأيام أحيانًا. كما أن فوحانه متوازن؛ لا يصرخ في المكان بل ينساب بنعومة ويترك خلفك هالة راقية.
أما التقليد فيفوح بقوة في البداية ثم يختفي سريعًا، وكأن حضوره كان مجرد ومضة قصيرة بلا أثر.
4. الملمس واللون
دهن العود الأصلي يكون كثيف القوام ودهنيًا بعض الشيء، ما يجعله يلتصق بالجلد ويتوزع ببطء. لونه يميل إلى الداكن (بني عميق أو كهرماني غامق) بسبب تركيز الراتنج الطبيعي.
أما الأنواع المقلدة فتكون خفيفة جدًا وسائلة، وغالبًا فاتحة اللون بشكل غير طبيعي، ما يدل على تخفيفها بمواد أخرى.
5. السعر الواقعي والمنطقي
لا يمكن الحصول على دهن عود أصلي بسعر زهيد؛ فندرة المادة الخام وصعوبة الاستخلاص تجعلان سعره مرتفعًا بطبيعته.
إذا وجدت دهن عود يُباع بسعر منخفض جدًا مقارنة بالسوق، فغالبًا هو مقلد أو مخفف. فالسعر المنخفض في سوق العود ليس صفقة ذكية، بل إنذار خطر.
6. مصدر موثوق وتاريخ معروف
اقتناء دهن عود أصلي يبدأ من الثقة في البائع. المتاجر الموثوقة تعرض دائمًا معلومات واضحة عن مصدر العود، وسنوات تخزينه، وطريقة استخلاصه، وغالبًا تتيح لك تجربة العينة قبل الشراء.
بينما البائعون غير الموثوقين يتجنبون تقديم أي تفاصيل دقيقة ويكتفون بادعاءات فضفاضة لجذب الزبون السريع.
7. اختبار بسيط في المنزل
يمكنك إجراء اختبار بسيط للتأكد من جودة دهن العود: ضع نقطة صغيرة منه على قطعة ورق واتركها لساعات. الدهن الأصلي يترك بقعة زيتية غامقة تبقى لفترة طويلة وتنتشر رائحته ببطء. أما المقلد فيتبخر سريعًا ويختفي أثره في وقت وجيز.
8. أثره على الحواس والمزاج
دهن العود الأصلي لا يكتفي بأن يُشَمّ، بل يُشعَر به. يلامس الذاكرة، ويهدّئ الأعصاب، ويمنح شعورًا بالسكينة والوقار، لأنه ناتج طبيعي حيّ تفاعل مع الزمن.
في حين يبقى التقليد رائحة عابرة بلا أثر نفسي حقيقي.